مسعد أبو طالب يكتب: حماية الشهود والمبلغين في جرائم الاعتداء الجنسى

بقلم د/ مسعد ابو طالب الخبير القانوني
جريمة الاعتداء الجنسي جريمة منتشرة في كافة أنحاء العالم، ولكنها بدأت تتزايد وتظهر بحدة في كثير من مجتمعاتنا العربية وتعد من اهم المشكلات التي تهاجم جسد الضحية وحريتها ، ولها انعكاسات سلبية على وضع الضحية النفسي والأسري والاجتماعي، إلى جانب نظرتهم إلى الحياة، والتكيف معها، والاندماج مع مكوناتها المجتمعية واغرب ما في هذه الجريمة أنها الجريمة الوحيدة التي أحيانا ما تتستر فيها الضحية على الجاني خوفا من العار والفضيحة ، ويتفاقم الوضع عندما تكون المجنى عليها أنثى وتخشى من تناقل اخبار الواقعة وبياناتها الشخصية سواء فى المراحل الأولى من الإبلاغ أو فى مرحلة المحاكمة ، ولكن هل الخوف من الفضيحة وتناقل البيانات أو نشرها يعد سبباً لعدم الإبلاغ ؟ بعد أن باتت هذه الجرائم تُرتكب من أقرب المخالطين للضحية ؟ هل الخوف سبباً لإفلات المجرم من العقاب ؟ على العكس من ذلك تماماً فإن الإبلاغ والتقدم للجهات المختصة سيؤدى بالكاد إلى إنحسار هذه الظاهرة وإنكماشها ، وإعتنى المشرع الدستورى بالحقوق الشخصية وأهمها الحق فى الشكوى (المادة 85 من دستور 2014 ) وحماية المبلغين والشهود والمجنى عليهم ( المادة 96 من الدستور ) والحق فى التقاضى واللجوء للقضاء (المادة 97 من دستور 2014 ) كما جعل الإعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة جريمة لا تسقط بالتقادم (المادة 99 من دستور 2014 ) .
وبالنظر الى القوانين العقابية ، فإن المشرع كفل للمبلغين والشهود حماية خاصة تتمثل فى الحفاظ على سرية بياناتهم ومعلوماتهم عند إبلاغهم عن بعض الجرائم أو الإدلاء بالشهادة فيها ، ونحن على مشارف صدور قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذى تضمن فى مواده المقترحة نصوصاً توفر حماية فعالة للشهود والمبلغين والمجنى عليهم إعمالاً للمادة 96 من الدستور بما يضمن حسن سير اجراءات التقاضى وتوفير الحماية اللازمة لهذه الفئات التى تعتبر من عناصر الدعوى الجنائية حيث يجوز فى الحالات التى يكون من شأنها تعريض حياة أى إنسان للخطر عدم ذكر بياناته وتقوم النيابة العامة بإنشاء ملف فرعى للقضية يتضمن تحديداً لشخصية هذا الشخص وبياناته ( الشخص محل الحماية ) مع إفراد عقوبة لكل من أدلى ببيانات على الشخص الصادر أمر بإخفاء هويته .
ولبث الطمأنينة فى نفوس المبلغين والمجنى عليهم ، إزاء خوفهم من تناقل اخبار الواقعة عن طريق وسائل الاعلام والصحافة نبعث إلهم برسالة طمأنة من جهة أخرى ، فقد نص قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 على تجريم التعرض للحياة الخاصة للمواطنين ، وأفرد عقوبات تنطبق على الصحفيين وغيرهم فى حالة نشرهم لأى بيانات أو اخبار خاصة بالجسات السرية أو التحقيقات التى تجريها الجهات المختصة ، كما أفرد تجريماً خاصاً يتعلق بتصوير المواطنين والتعرض لحياتهم الخاصة .
ولبث الإرتياح النفسى فى نفوس المواطنين كافة ، فإن الدولة عكفت فى العشر سنوات الماضية على رفع كفاءة وفاعلية الأجهزة الأمنية ، التى نجد أثرها فى زيادة عدد الدوريات الأمنية فى جميع انحاء البلاد وزيادة أجهزة المراقبة الحديثة والكاميرات التى سهلت عملية الملاحقة والإكتشاف السريع للجناة ، كما اننى اطالب بتفعيل دور الاعلام في محاربة جرائم الاعتداء الجنسي والتوعية بخطورته على المجتمع من خلال توجيه دور الاعلام في محاربة الجريمة وليست نشر بيانات عن المجني عليه ، ليكون الدور الفاعل للإعلام بكافة أشكاله وانماطه هو محاربة هذه الجريمة لمحاولة القضاء نهائياً داخل المجتمع